من مقهى صغير، أراقب المطر على الرصيف المقابل، أراقب هطوله المتوتر حينا، والمتقطع أحيانا أخرى. أنسى أنّي وحدي في مدينة غريبة، لا أملك خيارات كثيرة؛ فنجان قهوة، وسيجارة غير مسموح بها علنا، في المدن العربية المتشابهة.
ذكريات تتماوج؛ صور لأب رحل في صمت، وأمّ ينهش قلبها الحزن، والشوق لابنائها الأربعة الذين أكلتهم أرصفة باريس.
يندفع دخان السيجارة، يرسم سحبا تطير بالجسد من المقهى والمطر والصمت، إلى قلب رجل، كان يملأ الكرسي المقابل. أبحث في قلبه عنّي، فاكتشف أنّي قد رحلت منه، ذات يوم غائم، حين طلبت منه أن يكون وطني البديل.
تردد قليلا، ثم قال بصوت أجشّ حزين:
- لم يبق من قلبي إلا شاهد قبر على وطن اغتالته أياد آثمة، في عتمة ليل طويل.
لم أعد صالحا للحبّ، يا ابنة الغربة، وما ترينه؛ "قلب غريب مهشّم دخيل".
ق ق ج / غربة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق